أسرار تحسين التأريض: لماذا لا يزال الملح والفحم يُستخدمان في أنظمة الأرضي؟

image_pdfimage_print

أسرار تحسين التأريض: لماذا لا يزال الملح والفحم يُستخدمان في أنظمة الأرضي؟

تعتبر أنظمة التأريض الكهربائي حجر الزاوية في ضمان السلامة الكهربائية للمنشآت والأفراد. فهي توفر مساراً آمناً لتفريغ التيارات الكهربائية غير المرغوب فيها (مثل تيارات التسرب أو الصواعق) إلى باطن الأرض، حمايةً للأجهزة وحياة الإنسان. وبينما تتطور التقنيات وتظهر مواد جديدة، تظل الطريقة التقليدية باستخدام الملح والفحم حول قضيب التأريض تثير الفضول والتساؤل، كما نرى في الصورة المرفقة. فلماذا يتم اللجوء إلى هذين المكونين البسيطين؟

أهمية التأريض الجيد:

قبل الخوض في دور الملح والفحم، لنتذكر سريعاً لماذا نحتاج إلى نظام تأريض فعال:

  1. سلامة الأفراد: منع الصدمات الكهربائية القاتلة عند لمس الأجهزة التي حدث بها تسرب كهربائي.

  2. حماية المعدات: توفير مسار لتفريغ الشحنات الزائدة التي قد تتلف الأجهزة الإلكترونية الحساسة.

  3. استقرار النظام الكهربائي: المساعدة في تثبيت الجهد الكهربائي وتوفير نقطة مرجعية آمنة.

  4. الحماية من الصواعق: توفير مسار منخفض المقاومة لتفريغ الطاقة الهائلة للصاعقة بأمان في الأرض.

التحدي: مقاومة التربة:

لكي يؤدي نظام التأريض وظيفته بفعالية، يجب أن تكون مقاومة المسار بين النظام الكهربائي وكتلة الأرض منخفضة قدر الإمكان. المشكلة تكمن في أن التربة نفسها ليست دائماً موصل جيد للكهرباء. مقاومة التربة (Soil Resistivity) تختلف بشكل كبير اعتماداً على عوامل مثل:

  • نوع التربة: التربة الصخرية أو الرملية الجافة مقاومتها أعلى بكثير من التربة الطينية الرطبة.

  • محتوى الرطوبة: الماء عامل أساسي في التوصيل الكهربائي للتربة. التربة الجافة مقاومتها عالية جداً.

  • درجة الحرارة: التربة المتجمدة تزداد مقاومتها بشكل كبير.

  • التركيب الكيميائي: وجود الأملاح والمعادن الذائبة في رطوبة التربة يقلل من مقاومتها.

دور الملح والفحم في تحسين التوصيل:

هنا يأتي دور الملح والفحم كـ “معالج للتربة” المحيطة بقضيب التأريض. الهدف هو خلق منطقة ذات مقاومة منخفضة جداً حول القطب مباشرة، مما يسهل انتقال التيار الكهربائي من القطب إلى كتلة الأرض الأوسع.

  1. الملح (كلوريد الصوديوم – NaCl):

    • خاصية الاسترطاب (Hygroscopic): الملح يمتص الرطوبة من التربة المحيطة ويحتفظ بها.

    • تكوين إلكتروليت: عند ذوبان الملح في الرطوبة الموجودة، يتفكك إلى أيونات (صوديوم + وكلور -). هذه الأيونات الحرة الحركة تجعل المحلول المائي (الإلكتروليت) موصلاً جيداً جداً للكهرباء، مما يقلل مقاومة التربة المحيطة بالقضيب بشكل كبير. ببساطة، الملح يحول الماء العادي في التربة إلى ماء مالح موصل.

  2. الفحم (Charcoal):

    • الاحتفاظ بالرطوبة: الفحم مادة مسامية تحتفظ بالماء بشكل جيد، مما يساعد على إبقاء المنطقة المحيطة بالقضيب رطبة لفترة أطول، خاصة في التربة التي تميل إلى الجفاف.

    • زيادة مساحة التلامس: طبيعة الفحم المتكتلة وغير المنتظمة تزيد من مساحة السطح الفعالة للتلامس بين قضيب التأريض والتربة المعالجة.

    • التوصيلية: الفحم (الكربون) بحد ذاته له درجة من التوصيل الكهربائي، وإن كانت أقل بكثير من المعادن أو محلول الملح المركز.

    • توزيع المحلول الملحي: يساعد على توزيع المحلول الملحي بشكل أكثر تجانساً حول القطب.

العملية المتكاملة:

عند وضع طبقات متناوبة من الملح والفحم حول قضيب التأريض، يعمل الفحم على الاحتفاظ بالرطوبة وتوزيعها، بينما يذوب الملح في هذه الرطوبة ليخلق بيئة موصلة للغاية. هذا المزيج يضمن أن قضيب التأريض محاط بمنطقة ذات مقاومة منخفضة باستمرار، مما يحسن بشكل كبير من كفاءة نظام التأريض ككل، خاصة في أنواع التربة ذات المقاومة العالية طبيعياً.

اعتبارات ومحاذير:

رغم فعالية هذه الطريقة في خفض المقاومة الأولية، إلا أن لها عيوباً يجب أخذها في الحسبان:

  • التآكل: الملح مادة أكالة جداً للمعادن، بما في ذلك النحاس والصلب المجلفن المستخدم في قضبان التأريض. استخدام الملح يمكن أن يقصر العمر الافتراضي لقضيب التأريض بشكل كبير، مما يتطلب فحصه واستبداله بشكل دوري.

  • الذوبان والتلاشي: الملح قابل للذوبان، ومع مرور الوقت وهطول الأمطار، يمكن أن ينجرف بعيداً عن منطقة القطب، مما يقلل من فعالية المعالجة تدريجياً.

  • التأثير البيئي: تسرب كميات كبيرة من الملح إلى التربة والمياه الجوفية قد يكون له آثار بيئية سلبية.

البدائل الحديثة:

لهذه الأسباب، ومع التطور التقني، ظهرت مواد بديلة لمعالجة التربة وتحسين التأريض، مثل:

  • مركبات تحسين التأريض (Ground Enhancement Materials – GEM): وهي مواد مصممة خصيصاً لتكون عالية التوصيل، غير أكالة، مستقرة كيميائياً، وصديقة للبيئة نسبياً. تأتي عادة في شكل مسحوق يخلط بالماء ويصب حول القطب.

  • بنتونايت (Bentonite): نوع من الطين له قدرة عالية على امتصاص الماء والاحتفاظ به، ويستخدم أحياناً كبديل أو مكمل، خاصة في التربة الجافة.

  • زيادة عدد الأقطاب أو عمقها: استخدام قضبان أطول أو دفنها أعمق، أو استخدام عدة قضبان متصلة ببعضها البعض لزيادة مساحة التلامس مع الأرض.

ختاماً:

إن استخدام الملح والفحم في أنظمة التأريض هو مثال على حل هندسي قديم وبسيط لمشكلة معقدة (مقاومة التربة). إنه يعتمد على المبادئ الأساسية للكيمياء والفيزياء لإنشاء مسار فعال لتفريغ التيارات الخطرة. ورغم وجود بدائل حديثة قد تكون أكثر استدامة وأقل تسبباً في التآكل، فإن فهم سبب استخدام هذه المواد التقليدية يعطينا نظرة أعمق على تحديات وابتكارات الهندسة الكهربائية عبر الزمن. يبقى الهدف الأسمى دائماً هو تحقيق نظام تأريض آمن وموثوق لحماية الأرواح والممتلكات.

AttachmentTypeLink
Mbsmgroup_Tunisie_Private_Pictures-why-salt-charcoal-used-electrical-earthing-systemsimage/jpegGet Link
Embedded ImageImageView Image
Mbsmgroup Logo

أضف تعليق